مضى الملاح علي محمود طه يجوب البحار ويصارع أمواج الحياة حتى اهتدى في نهاية الرحلة إلى بر الأمان، وصور في قصائده ودواوينه حيرة الشاعر بين نوازعه وأحلامه وبين المثل العليا والقيم النبيلة.
وفي آخر المطاف بدا وكأن لسان حاله يردد الآية الكريمة “ألا بذكر الله تطمئن القلوب”. كتب معظم قصائده عن الدنيا، وقليل منها كتبه عن الدين، منها 3 قصائد الأولى عن فلسطين، والثانية عن العام الهجري الجديد، والثالثة تحت عنوان (الله والشاعر) يسجل فيها حيرة الشاعر في هذه الحياة ويطلب من الله سبحانه وتعالى في الختام أن يشمله بعفوه ورحمته ويطلب الصفح والمغفرة.
القاهرة “الخليج”:
شاعرنا من مواليد مدينة المنصورة ،1902 تعلم في الكُتّاب ودخل المدرسة الابتدائية والتحق بمدرسة الفنون التطبيقية ودرس فيها الهندسة، تخرج سنة 1924 وعمل موظفا بهندسة المباني بمدينته، وبدأ في نشر قصائده في الصحف ونشرت أول قصيدة له في مجلة “السفور” سنة 1918 وكان عمره وقتها 16 عاماً.
وقّع قصائده في البداية باسم (علي محمود المهندس) وظهر هذا الاسم على دواوينه الأولى.
صدرت له 8 دواوين منها: الملاح التائه، ليالي الملاح التائه، أرواح وأشباح، أشواق عائد، شرق وغرب، أرواح شاردة. نشرت قصائده بانتظام في جريدة “السياسة” الأسبوعية التي أصدرها الدكتور محمد حسين هيكل.
المثل الأعلى
اصبح علي محمود طه علماً من أعلام مدرسة “ابوللو” التي أرست أسس الرومانسية في الشعر العربي، ومن أعلامها احمد شوقي وحافظ إبراهيم وإبراهيم ناجي. لكنه كان في الوقت نفسه يحقق المثل الأعلى الذي كان ينادي به شعراء مدرسة الديوان ومن فرسانها العقاد وشكري والمازني.
كتب عنه الأستاذ احمد حسن الزيات افتتاحية أحد أعداد مجلة “الرسالة” وأستاذه طه حسين في حديث الأربعاء.
ظهرت معظم دواوينه في فترة الحرب العالمية الثانية ورغم ذلك لم يظهر أي اثر لهذه الحرب في قصائده، بل تحدث عن الجمال والحرية والسلام، وقال عنه الناقد الكبير الدكتور محمد مندور إن حاسته الجمالية هي التي وفرت له الحماية من الابتذال.
47 عاما
عمل موظفا بوزارة التجارة ومديرا لمكتب الوزير فسكرتارية مجلس النواب ثم وكيلا لدار الكتب.
تعددت أسفاره إلى الخارج وأتقن عدة لغات أجنبية، وقرر أن يتفرغ للشعر سنة 1949 لكن الأجل وافاه في العام ذاته ولقي وجه ربه في 17/11/1949 عن 47 عاما.
ولد الشاعر لأسرة ميسورة الحال وهادنته صروف الدهر والفاقة، وترجم عددا من القصائد لسفراء أوروبا منها قصائد للشاعر الإنجليزي “شلي ماد” والشاعر الفرنسي “لامارتين”.
ورغم توقف مجلة “ابوللو” عن الصدور سنة ،1935 استمر الشاعر يؤكد الاتجاه نفسه ويحافظ عليه في قصائده ودواوينه المتتالية.
قال عنه طه حسين: “في شخصيته خفة الروح، وعذوبة النفس، وفيها هذه الحيرة العميقة الطويلة العريضة التي لا حدود لها كأنها محيط لم يوجد على الأرض”.
قصيدة فلسطين
وقصيدة فلسطين من اعظم ما كتب الشاعر ولو لم يكتب سواها لكفته ووضعته ضمن قائمة الشعراء الذين ساندوا العروبة والإسلام:
أخي جاوز الظالمون المدى
فحق الجهاد وحق الفدا
أنتركهم يغصبون العروبة
مجد الأبوة والسؤددا
ويحدد الشاعر الطريق إلى استعادة الحق الضائع بقوله:
وليسوا بغير صليل السيوف
يجيبون صوتا لنا أو صدى
فجرد حسامك من غمده
فليس له بعد أن يغمدا
ويمضي الشاعر في قصيدته التي جاءت قوية البناء، محكمة الصياغة، جياشة العاطفة:
أخي أقبل الشرق في أمة
ترد الضلال وتحيي الهدى
أخي إن في القدس أختا لنا
أعد لها الذابحون المدى
ويؤكد الشاعر أن الدفاع عن فلسطين دين في أعناقنا جميعا:
أخي قم إلى قبلة المشرقين
لنحمي الكنيسة والمسجدا
وقبّل شهيدا على أرضها
دعا باسمها الله واستشهدا
فلسطين يفدي حماك الشباب
وجل الفدائي والمفتدى
فلسطين تحميك منا الصدور
فإما الحياة وإما الردى
دروس الهجرة